منارات المساجد

مارس ٠٨, ٢٠٢٥

٥ دقائق دقيقة

عرﰊ

منارات المساجد

من كان يظن أن مآذن المساجد تمتلك وظائف تتجاوز مجرد إيصال نداء الأذان؟ في التاريخ الإسلامي، كان لهذه البنايات الشامخة دور بارز يتخطى الجانب الديني، لتصبح علامات ثقافية واجتماعية وهندسية تروي قصص المجتمعات والحضارات، قديمًا كانت المنارة بوصلة المسافرين بين المسافات الطويلة حيث يتم تزوديها بقناديل من نور ليراها المغترب ويهتدي إلى بلدته، بخلاف أن إذا كان هناك مسجد في دولة غير إسلامية تكون المنارة علامة دالة على وجود الإسلام والمسلمين في المنطقة، غير استخداماتها الأخرى كوضع الأنوار في أعلى المنارة لتوضح أن هناك مناسبة سعيدة، إلى جانب وظيفتها الأساسية وهي إبلاغ الناس بدخول أوقات الصلوات الخمس، مع مرور الزمن أصبحت المئذنة من فنون العمارة الاسلامية مهما اختلف ارتفاعها وتصميمها إلا أن شكلها الخارجي ثابت، وبين مختلف المدن والحضارات صنّف المختصون طرازات المآذن للحقب تاريخية، إذ تُعرفها الدراسات الهندسية بأنها وحدة معمارية رأسية البناء ودليل على مكان العبادة وهو المسجد، في بداية الإسلام كانت المساجد بدون مئذنة إذا كان أول مؤذن في الإسلام بلال بن رباح - رضي الله عنه- يصعد فوق المنازل المرتفعة التي تقع بالقرب من المسجد حتى يصل صوته إلى سكان - يثرب - المدينة المنورة، ويصدح بصوته من أعلى ارتفاع يبعد عن الأرض لتكبر دائرة سماع الآذان وينتشر بشكل أوسع، بعدها ظهر تصميم المنارة لأول مرة في مسجد عمر بن الخطاب، مع مرور الزمن واختلاف الثقافات تم تصميم المنارة بشكل يعبّر عن هوية وثقافة المسجد والمجتمع الذي يخدمه، وهنا يلعب التاريخ دورًا في تصميم الهيكلة والبنية الكاملة للمئذنة، إذ تختلف حسب الزمان والمكان لتكون قاعدة مربعة أو دائرية، على سبيل المثال في العصر الأموي برزت مئذنة العروس وهي الأشهر في دمشق كواحدة من أشهر المآذن حيث صُممت قاعدتها على شكل مربع وتزينت بفتحات مقوسة وسميت بهذا الاسم لأنها كانت تتلألآ بالأنوار والإضاءات عند الغروب لتشبه العروس في يوم زفافها، وفي بلاد المغرب العربي كان يطلق على المآذن لفظ الصوامع لشكلها المربع على عكس المآذن في البلاد الشرقية التي اتخذت من الشكل الدائري رمزًا لها، وعلى ذكر المؤرخين أن الخبر الذي يستغرق وصوله مسيرة أشهر من سبته إلى الإسكندرية على مضيق جبل طارق يصل عبر المآذن في ليلة واحدة!

وهذا يدل أن تصميم منارات المسجد يتطلب مهارات هندسية خاصة حتى تضمن شكلها المتين وأدائها المتوقع إذ يعتمد التصميم الإنشائي على المواد المستخدمة في بناء المنارة ومراعاة ظروف الطقس المحلية والتقاليد المعمارية في المنطقة مع ارتفاع المنارة المرغوب به، وهذا يجعل المصمم يضع في اعتباره أن الأساسات قويه تتحمل وزن المنارة وتقاوم طبيعة الطقس مثل الرياح أو الأمطار، إلى جانب أن تكون المواد المستخدمة في الهيكل الداخلي قويه لتجعل المنارة مستقرة مثل استخدام الخرسانة المسلحة أو الصلبة، مع مراعاة عوامل السلامة والأمان في التصميم الهندسي الذي يضمن استقرار المنارة وسلامة المصلين، مع الاخذ بالاعتبار على دقة اختيار الزخرفة والتفاصيل المعمارية التي تزين الهيكل العام، بالإضافة إلى انتقاء نوع الاضاءة الملائم لتسهيل رؤية المسجد في الليل، اليوم نستطيع استخدام التكنولوجيا الحديثة مثل أنظمة الرصد والتحكم عن بعد لزيادة مستوى السلامة والأمان.، المئذنة ليست مجرد هيكل معماري بل هي رمز للإسلام وثقافته تجمع بين الجوانب الدينية الاجتماعية والجمالية، لتكون شاهدًا حيًا على تطور المجتمعات الإسلامية عبر العصور. 

 

تواصل معنا

الرياض - الملقا - وادي هجر

920033804

جميع الحقوق محفوظة لدى لَسِن، ٢٠٢٥ - الرياض